السعادة⬅️ بەختەوەری

مفهوم السعادة سِرُّ أسرار الحياة، وجوهرُ سعي الإنسان مهما كان شكله وعمره وتفكيره ومعتقده، منذ أن يفتح عينيه على الدُّنيا يستشعر معناها ولا يقع على اسمها، وربَّما عرف الإنسان السَّعادة قبل أن يسأل عنها ويبحث في أسبابها، بل ربَّما كان السِّر في الاهتداء إليها هو إراحة النَّفس من السَّعي الحثيث نحوها، فإنَّها رضًا يُهتدى إليه وليست غنيمةً تتحصَّل بطحن الصُّخور. وإن كان العمل يجلب السَّعادة وأخذ أسبابها يقرِّبها إلَّا أنَّ الرُّوح هي الأصل في كلِّ ذلك، فإنَّ من النَّاس من يسعى طوال حياته ولا يعرف طعم الهناء ولا يلتمس الرِّضا، ومنهم من ضاقت عليه الأسباب وعدم الوسيلة لبلوغ الغايات البعيدة إلَّا أنَّه للسَّعادة أقرب، فتلك طبائع وطرائق في التَّفكير. الحياة تحكم الإنسان بطبعه أكثر ممّا يحكمها، فالسَّعادة والطُّمأنينة ورضا النَّفس هي أرزاقٌ من مقسِّمِ الأرزاق، يهديها إلى النَّاس أكثر ممّا يهتدون إليها بأنفسهم، فإنَّ من عرف السَّعادة في الحياة صاحب حظٍّ كبيرٍ ونعمةٍ غامرةٍ حُرِم منها كثيرون غيره، وهو بذلك أدرك كلَّ شيءٍ وإن كان ينقصه الكثير، وأمَّا من افتقد هذه النِّعمة فقد افتقد كلَّ شيءٍ وإن اكتملت أسباب الرَّفاه في حياته، وهذا سرُّ الحياة الذي لا يحتكم إلى قواعد واحدة ولا إلى شروط ثابتة يتحقَّق معها الهناء أو ينقطع دونها، ومفهوم السَّعادة هذا يوافق مفهوم السَّعادة في الإسلام. وقد عزا الإسلام راحة الإنسان إلى التَّسليم بقضاء الله وقدره،والإيمان بمستقبلٍ أجمل ودوام الشُّكر في السَّرَّاء والضَّرَّاء، وقد وردت هذه المعاني في آياتٍ كثيرةٍ، منها قول الله تعالى: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيْدَنَّكُمْ"[١]، كما تدعو آيات الذِّكر الحكيم إلى الصَّبر وتؤكِّد على كونه مفتاحًا للسَّعادة ودلالةً على رسوخ الإيمان الَّذي يهدي السَّعادة الحقَّة والهناء الدَّائم الذي لا ينقطع لمؤمن، فوردت آياتٌ كثيرةٌ تربط الصَّبر بالإيمان وتعد الصَّابرين بالثَّواب، منها قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ مَع الصَّابِرِيْنَ"[٢]، كما أكَّدت آياتٌ أخر على أهميَّة الأمل بالله كقوله تعالى: "وَلَا تَيْأَسُوْا مِنْ رُوْحِ اللهِ"[٣]، وفي سورةٍ أخرى: "لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ"[٤]. أنواع السعادة للسَّعادة مسالك عديدةٌ، فلا يشترك النَّاس جميعًا في كيفيَّة سعيهم إليها، ولا يتَّخذون طريقًا واحدةً لوصولها، فمن النَّاس من يرى هناءه في الأمور الماديَّة وفي رفاهيَّات الحياة الملموسة، فيسعى إلى امتلاك دارٍ فسيحةٍ وسيارةٍ حديثة ويبتاع الثِّياب والمجوهرات، ويجد في ذلك ما يسعده ويرضيه، ومن النَّاس من لا يعرف راحةً إلَّا بالعمل، فبقدر ما يتعب بدنه ترتاح روحه، وبقدر ما ينجز من أعمالٍ يشعر بقيمته وبوجوده، وغيره من يسعد بالعلم، فيتزوّد منه ما استطاع ويكدِّره انقطاع أسباب وصوله، فمتى اقتدر على تحصيله كان مسرورًا وإن أتعبه، ومتى امتنع عنه تكدَّر وعاش في حزن. من النَّاس مَن ينشد الهناء الأوَّل والأخير في داره ويرى في الزَّواج السَّعيد غايته الأولى فيجعل تكوين الأسرة هدفًا، والنَّاس يشتركون في أكثر هذه الأمور، ولا شكَّ أنَّ السَّعادة تكاملٌ يتحصَّل من اجتماع كلِّ تلك العناصر معًا، إلَّا أنَّ لكلِّ امرئٍ أسبابه الملحَّة ونظرته الخاصَّة وتطرُّفه إلى أمرٍ يلتمس فيه السُّرور أكثر من سواه، ومن النَّاس من لا يعنيه كلُّ ذلك، ويمدُّ حبالًا تصله بالله يلتمس في صلته هذه السَّعادة، ويصل إلى أعلى درجات الزُّهد بالدُّنيا ويرضى منها بما يمدُّه بالقوَّة ويبقيه حيًّا ليتمكَّن من التَّعبُّد والتماس سعادة روحه فيما يصله بالله من ذكرٍ وعملٍ صالحٍ وعلمٍ نافعٍ ينشد فيه أوَّلاً وأخيرًا رضوان الله وبركته. العاقل مَن أدرك مِن مسرَّات الدُّنيا ما لا يلهيه عن آخرته، ومن عمل لآخرته وتنعَّم فيما آتاه الله في دنياه، وقد قيل في ذلك: "اعمل لدُنياكَ كأنَّك تعيش أبدًا، واعملْ لآخرتِكَ كأنَّك تموتُ غدًا"، فعلى الإنسان أن يراعي أمور دنياه دون أن ينسى آخرته، وأن يصنع لآخرته دون أن يهمل دنياه[٥]. تختلف نظرة الإنسان إلى السَّعادة وفهمه لها من عمرٍ إلى آخر، ومن مرحلةٍ إلى أخرى، فما يسعدنا في السَّنوات الأولى من حياتنا يختلف عمَّا يسعدنا حين نبلغ العاشرة على سبيل المثال، وهو ما يختلف أيضًا عمَّا يسع