الفقر في العالم يُعبّر الفقر عن الحاجة التي تتواجد في حياة الأفراد داخل كل مجتمع، وفي تعريف الفقر فهو يُطلق على أصحاب الحاجة الماديّة، والذين يفتقرون إلى الدخل، والموارد الأساسيّة، إضافة إلى عجز الأفراد عن تلبيّة الاحتياجات الأساسيّة لأنفسهم، كالطعام، والشرب، واللباس، والمسكن، فهو يشمل كل حالات الجوع، وسوء التغذيّة للأفراد، ويقول الشاعر أحيحة بن الحلاج عن الفقر: وَما يَدري الفَقيرُ مَتى غِناهُ وَما يَدري الغَنِيُّ مَتى يُعيلُ وَما تَدري وَإِن أَلقَحتَ شَولاً أَتُلقَحُ بَعدَ ذَلِكَ أَم تَحيلُ وَما تَدري إِذا ذَمَّرتَ سَقباً لِغَيرِكَ أَم يَكونُ لَكَ الفَصيلُ

يرتبط الفقر بالكثير من الأسباب التي تساعد في نشره، أهمها التكاثر والانفجار السكاني في البلاد، إضافة إلى الكوارث التي تتعرض لها الدول، والحروب التي تساعد في هدم الحياة واستنزاف الطاقات، وهذا كله يؤدي إلى التشتت والتشرد، والمحاولة في إيجاد المأوى، وهناك بلاد أخرى تعاني الفقر بسبب قلة وجود فرص العمل بها، مما يجعل التطور والحضارة في تراجع، إذ أن الفقر تقل نسبته في المجتمعات المتعلمة والمنظمة للجهود البشريّة، بيد أن الفقر يزيد في المجتمعات الأبويّة وتلك التي تعتمد على غيرها في استيراد كل شيء. تنتشر ظاهرة الفقر بنسب متفاوتة في جميع المجتمعات، بيد أن الفرق يعتمد على درجة الفقر، ونوعيته، إضافة إلى شدته، وإلى تفاوت نسبة الفقراء في كل مجتمع، ويمكن تقسيم أسباب الفقر إلى، أسباب داخليّة وأخرى خارجيّة، فمن الأسباب الداخليّة هي طبيعة المجتمع، ومدى نشاطه وتطوره الحضاري، إضافة إلى قدرته في تنظيم الأعمال والأنشطة، والمساهمة في الإفادة من الثروة الداخلية، كالمزروعات، والمحاصيل، والبترول، وغيرها، ثانيًا هو النظام السياسي السائد، فالنظام الجائر يؤدي إلى محو العدالة وتفشي الظلم. إنّ النظام السياسي في حقيقته هو من أهم الأسباب التي تساعد المجتمع، فإما أن تنقذه من الفقر، وإما أن يستفحل الأمر فتزيد حالات الفقر، وذلك من خلال ارتباط العامل السياسي بالعامل الاقتصادي، إذ يتمثل بإنفراد الحكم بالثورة الخاصة في كل بلد، فيتعاضد الاستبداد السياسي بالاقتصادي، مما يسبب الاتساع في الحاجة وفي رقعة الفقر، وذلك في المحصلة ينشر الفساد، والظلم، والاستبداد، ويؤدي إلى دمار المجتمع وفشله. أحيانًا ينتج الفقر بسبب أسباب خارجيّة، ومنها الحروب، والصراعات الدوليّة التي تفرض جبروتها على بعض البلدان فتحرمها من أن تنمي وتًطور نفسها، وذلك لتبقى في حاجة إلى الأبد، وأسباب هذه الصراعات هي السيطرة، والاستعمار، ونهب ثروات الدول الضعيفة والفقيرة، فبعض البلاد رغم ثرواته النفطيّة العظيمة، إلا أنه بلد فقير؛ وذلك بسبب الحصار الذي دام لفترة من الزمن فتسبب بتفقير بلد بأكمله، وهناك أسباب خارجية غير ظاهرة، ومنها سوء توزيع المساعدات الدولية خاصة في البلدان الذي يسود بها فساد الحكم. أثر الفقر على الفرد والمجتمع إنّ ظاهرة الفقر هي الظاهرة الأخطر على مستوى العالم، ويشير الفقر إلى الحرمان الذي يترتب على كافة المستويات في المجتمع، كالمستوى الصحي، والتعليمي، والسكني، إذ وصل الفقر إلى ما يقارب ثلث سكان الكرة الأرضيّة، ولهذا العدد الكبير أثره الملموس على الفرد والمجتمع، ويعود هذا الأثر إلى أن نصف هذه النسبة حول العالم هم أميون، أي لا يقدرون على الكتابة أو القراءة، وهذا الأمر يوضح مدى خطورة الفقر، ويقول أبو الوفاء العبدلي عن الفقر: يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه أبوابها وتراه ممقوتا وليس بمذنب يرى العداوة لا يرى أسبابها حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة خضعت لديه وحركت أذنابها وإذا رأت يوما فقيرًا عابرًا نبحت عليه وكشرت أنيابه للفقر آثاره السلبيّة وخاصة على العِلم، فمثلًا يواجه المواطن الفقير الأمور بمنظور غير سليم، بل إن نفسيته تكتئب وتتعقد بسبب الفقر، وذلك لأنه لم يتعلم، فالعِلم يُدرب الفرد للنظر في كافة أمور الحياة بمنظور سليم وإيجابي، كما أن العِلم يدعو إلى أن يسعى الفرد إلى طموحه مهما كانت ظروفه المحيطة به، لذلك فقد كان فقدان الأفراد للعلم سببًا من أسباب أثر الفقر على المجتمع، فقلة العِلم تجعل المجتمع لا يحوي سوى طاقات سلبيّة وهائمة، تتلطخ في البحث عن سُبل الحياة والعيش. إن الفقر يُولد مجتمعًا قليل الإبداع والإنتاج والتطور، فكلما كان المجتمع يعاني الفقر، قلت الابتكارات والنشاطات التي تساهم في نهوضه، وذلك يعود إلى عدم توفر القدرات المطلوبة في الفقير، ولا يقتصر أثر آفة الفقر على إبداع المجتمع، بل إنه يؤثر على الحالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة أيضًا، وذلك الأثر كافي لتدمير مجتمع بأكمله، وتهديد استقراره ونجاحه من خلال انتشار الأمراض والأوبئة، وزيادة أعداد الوفاة، وغيرها الكثير من الآثار الناجمة عن الفقر. أما عن آثار الفقر على الفرد فهي قبل كل شيء تؤثر على نفسيته، إذ أن الفقير في حقيقته هو فرد يتصف بالاكتئاب، واللامبالاة، ويتولد هذا الشعور بسبب الإحساس بالعجز والفشل في الحياة، وهذه الحالة تُصبح عدوى بين أفراد المجتمع إذ يمكن نقلها للآخرين من خلال إحباطهم وبث الطاقة السلبيّة في دواخلهم، كما أن الفقر يؤدي إلى سوء تغذية الفرد بسبب الجوع مما يؤدي إلى مرضه وعدم قدرته من الذهاب إلى العناية الصحيّة، وربما يترتب على ذلك نهاية الحياة ووفاة الشخص. ثمة علاقة يولدها الفقر بين الفرد والمجتمع، وذلك كلما زاد عدد الفقراء زاد تهديد المجتمع إلى الهلاك، فمثلًا يؤثر الفقر على الفرد بأن يُصبح متسول ومن ثم الإنحراف، وارتكاب العادات السيئة كالسرقة وغيرها، وهذا في حقيقته يؤثر على المجتمع أيضًا فيصبح مجتمعًا لا آمان به، كما يؤثر الفقر على الفرد بأن يصبح متشردًا فيعيش في الشوارع والملاجئ الخاصة بين البيوت، وهذا يؤدي إلى زيادة المتشردين في المجتمع أي ضعف الحياة السعيدة التي يطمح لها باقي الأفراد. الفقر آفة مجتمعية إنّ مشكلة الفقر أمر لا يجوز التهاون به، بل القضاء عليها من خلال حلول جذرية تساعد بذلك، ومن أهم الحلول هو التعليم، فيعد التعليم بأنه هو السلاح الذي يواجه به فقر المجتمع، فهو يؤدي إلى تطور المجتمع وتنميته، إضافة إلى محاربة البطالة المنتشرة، فالتعليم يؤهل الأفراد إلى المهن والوظائف المختلفة، ويصبح الفرد ينقاد إلى كل ما هو إيجابي في الحياة، والإيجابيّة هي أهم العوامل التي تُحارب الآفات بمختلف أنواعها، ويقول محمود سامي البارودي: وَلا تَحْتَقِرْ ذَا فَاقَةٍ فَلَرُبَّمَا لَقِيتَ بِهِ شَهْمَاً يُبِرُّ عَلى الْمُثْرِي فَرُبَّ فَقِيرٍ يَمْلأُ القَلْبَ حِكْمَةً وَرُبَّ غَنِيٍّ لا يَرِيشُ وَلا يَبْرِي وَكُنْ وَسَطاً لا مُشْرَئبَّاً إِلى السُّهَا وَلا قَانِعَاً يَبْغِي التَّزَلُّفَ بِالصُّغْرِ[٢] هناك الكثير من الطُرق والوسائل التي تُساعد في معالجة الفقر، ومنها الحث على العمل من أجل المحاولة في كسب المال وتوفير بعض سُبل الحياة، ثم العمل على تكافل اجتماعي من خلال زكاة الأفراد وهي الحث على فرض الزكاة على الأغنياء، وعمل جمعيات خيريّة تسعى إلى مساعدة الفقراء وأخذ صدقة بسيطة من كل عائلة مقتدرة وغنية، إضافة إلى تنمية المشاريع وتطويرها للحد من البطالة وتوفير الوظائف للعائلات المحتاجة، ولا بد من المساهمة بعمل يوم خاص يدعو للقضاء على الفقر وهنا يتكافل كافة الأفراد بذلك. ومن الاستراتيجيات المتبعة للحد من الفقر على المدى الطويل هي قناعة أصحاب السياسة بأن التنميّة البشريّة هي القادرة على النمو الاقتصادي والذي يساعد إلى مكافحة الفقر، إضافة إلى تعديل أساليب الإنفاق في الدولة وإعادة جدولة التوازن بين المناطق في كل دولة، ومن ثمة مقارنة هذا التوازن والنظر إلى المناطق الفقيرة، ومعرفة سبب فقرها، والمحاولة في تخصيص نفقة خاصة لها من ميزانية الدولة من أجل الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية. ثمة دراسات عن الفقر تشير إلى تفاقم الأعداد، فهناك 783 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، وعُشر سُكان العالم كانوا يعيشون على أقل من1.9 دولار يوميًا، وتتواجد معدلات الفقر العالية في أغلبها في بلاد جنوب آسيا وافريقيا وهذه النسبة تعيش تحت خط الفقر، كما ينتشر الفقر في أغلبه بالبلدان الصغيرة والتي تعاني من النزاعات والحروب، وفي عام 2016 استفاد ما يقارب نصف سكان العالم بالحصول على معونة نقدية قدمتها الحماية الاجتماعية.

في النهاية لا بد من إدراك مدى خطر الفقر على المجتمعات، وأنه يُسبب إلى إعاقة في الحياة الاجتماعية، ويقضي على فرص النجاح، والابتكار، والإبداع، وهو الأمر الذي فرض على البلدان جعل مكافحة الفقر من أولوياتها، وذلك يٌعبر أن الفقر ظاهرة اقتصادية واجتماعية تؤدي إلى فشل المجتمع وضياعه، فلا بد على كافة البلاد في مختلف العالم مواجهة الفقر والحد منه